وروي ابن أبي حاتم، حدثنا أبي ثنا محمد بن موسي الجُرْشي، ثنا أبو خلف عبد الله ابن عيسي، ثنا داود بن أبي هند، عن عَكْرِمة، عن ابن عباس؛ أن قريشًا دعوا رسول الله ﷺ إلى أن يعطوه مالا فيكون أغني رجل فيهم، ويزوجوه ما أراد من النساء، ويطؤوا عقبه ـ أي يسودوه ـ فقالوا : هذا لك عندنا. يا محمد، وكف عن شتم آلهتنا، فلا تذكرها بسوء، فإن لم تفعل فإنا نعرض علي خصلة واحدة، وهي لك ولنا فيها صلاح. قال :( ما هي ؟ ). قالوا : تعبد آلهتنا سنة ـ اللات والعزي ـ ونعبد إلهك سنة. قال :( حتى أنظر ما يأتيني من ربي ). فجاءه الوحي من الله من اللوح المحفوظ :﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾، إلى آخرها، وأنزل الله عليه :﴿ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ ﴾ [ الزمر : ٦٤، ٦٦ ]. / وقوله :﴿ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ ﴾، خطاب لكل من عبد غير الله وإن كان قد قدر له أن يتوب فيما بعد. وكذلك كل مؤمن يخاطب بهذا من عَبَدَ غير الله.
وقوله في هذا الحديث :( حتى أنظر ما يأتيني من ربي )، قد يقول هذا من يقصد به دفع الظالمين بالتي هي أحسن ليجعل حجته أن الذي عليه طاعته قد منع من ذلك، فيؤخر الجواب حتى يستأمره، وإن كان هو يعلم أن هذا القول الذي قالوه لا سبيل إليه.
وقد تخطب إلى الرجل ابنته فيقول : حتى أشاور أمها، وهو يريد ألا يزوجها بذلك، ويعلم أن أمها لا تشير به. وكذلك قد يقول النائب : حتى أشاور السلطان.
فليس في مثل هذا الجواب تردد ولا تجويز منه أن الله يبيح له ذلك.