قال : وقيل إن معنى الأول : ولا أنتم عابدون ما عبدت، ومعنى الثاني : ولا أنتم عابدون ما أعبد. فعدل عن لفظ [ عبدتُ ] للإشعار بأن ما عبد في الماضي هو الذي يعبد في المستقبل ـ قد يقع أحدهما موقع الآخر. وأكثر ما يأتي ذلك في إخبار الله تعالى.
ويجوز أن تكون [ ما ] والفعل مصدرًا، وقيل : إن معنى الآيات وتقديرها : قل يأيها الكافرون، لا أعبد الأصنام، التي تعبدون، ولا أنتم عابدون الذي أعبده، لإشراككم به واتخاذكم معه الأصنام. فإن زعمتم أنكم تعبدونه، فأنتم كاذبون، لأنكم تعبدونه مشركين به. فأنا لا أعبد ما عبدتم، أي مثل عبادتكم. فهو في الثاني مصدر. وكذلك :﴿ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ هو في الثاني مصدر ـ أيضًا ـ معناه ولا أنتم عابدون مثل عبادتي التي هي توحيد.
قلت : القول الثالث هو في معنى الثاني، لكن جعل قوله :﴿ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ معنيين؛ أحدهما : بمعنى [ ما عبدت ]، والآخر : بمعنى [ ما أعبد ] ليطابق قوله لهم :﴿ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾، ﴿ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ﴾.
فلما تبرأ من أن يعبد في الحال والاستقبال ما يعبدونه في الماضي والحال، كذلك برأهم من عبادة ما يعبد في الحال والاستقبال. لكن العبارة عنهم وقعت بلفظ الماضي. قال هؤلاء : وإنما لم يقل في حقه :[ ما عبدت ]، للإشعار بأن ما أعبده في الماضي هو الذي أعبده في المستقبل.
قلت : أصحاب هذا القول أرادوا المطابقة كما تقدم.
لكن إذا أريد بقوله :﴿ مَّا عَبَدتُّمْ ﴾ ما أريد بقوله :﴿ مَا أَعْبُدُ ﴾ ـ في أحد الموضعين الماضي ـ كان التقدير على ما ذكروه : لا أنا عابد في المستقبل ما عبدتم في الماضي. فيكون قد نفي عن نفسه في المستقبل عبادة ما عبدوه في الماضي دون ما يعبدونه في المستقبل.


الصفحة التالية
Icon