فقوله :﴿ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ﴾، براءة من كل ما عبدوه في الأزمنة / الماضية، كما تبرأ ـ أولا ـ مما عبدوه في الحال والاستقبال. فتضمنت الجملتان البراءة من كل ما يعبده المشركون والكافرون في كل زمان ـ ماض، وحاضر، ومستقبل. وقوله أولا :﴿ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾، لا يتناول هذا كل.
وقوله :﴿ وَلَا أَنَا عَابِدٌ ﴾، اسم فاعل قد عمل عمل الفعل، ليس مضافًا، فهو يتناول الحال والاستقبال ـ أيضًا ـ لكنه جملة اسمية، والنفي بما بعد الفعل فيه زيادة معنى، كما تقول : ما أفعل هذا، ما أنا بفاعله.
وقولك :[ ما هو بفاعل هذا أبدًا ] أبلغ من قولك :[ ما يفعله أبدًا ]. فإنه نفي عن الذات صدور هذا الفعل عنها، بخلاف قولك :[ ما يفعل هذا ]، فإنه لا ينفي إمكانه وجوازه منه. ولا يدل على أنه لا يصلح له ولا ينبغي له، بخلاف قوله :[ ما هو فاعلا، وما هو بفاعل ]، كما في قوله :﴿ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ﴾ [ النحل : ٧١ ]. وقوله :﴿ مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ﴾ [ إبراهيم : ٢٢ ]، وقوله :﴿ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [ البقرة: ٨٥ ]، ﴿ وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ ﴾ [ النمل : ٨١ ]، ﴿ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ ﴾ [ فاطر : ٢٢ ]، ﴿ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ ﴾ [ البقرة : ١٠٢ ]
ولا يقال : الجملة الاسمية ترك الثبوت، ونفي ذلك لا يقتضي نفي / العارض. فإن هذه الجملة في معنى الفعلية نفي؛لكونها عملت عمل الفعل. لكنها دلت على اتصاف الذات بهذا، فنفت عن الذت أن يعرض لها هذا الفعل تنزيهًا للذات، ونفيًا لقبولها لذلك. فالأول نفي الفعل في الماضي والمستقبل، والثاني نفي قبوله في الماضي مع الحاضر والمستقبل.