ولهذا تستعمل في ضد الولاية فيقال : تول فلانًا، وتبرأ من فلان. كما قال تعالى :﴿ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ﴾ الآية [ الممتحنة : ٤ ].
وأما قوله عن الكفار :﴿ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾، فهو خطاب لجنس الكفار٠وإن أسلموا فيما بعد ـ فهو خطاب لهم ما داموا كفارًا. فإذا أسلموا لم يتناولهم ذلك. فإنهم حينئذ مؤمنون، لا كافرون،/ وإن كانوا منافقين، فهم كافرون في الباطن، فيتناولهم الخطاب.
وهذا كما يقال : قل يا أيها المحاربون، والمخاصمون، والمقاتلون، والمعادون. فهو خطاب لهم ما داموا متصفين بهذه الصفة.
وما دام الكافر كافرًا، فإنه لا يعبد الله، وإنما يعبد الشيطان، سواء كان متظاهرًا، أو غير متظاهر به كاليهود.
فإن اليهود لا يعبدون الله، وإنما يعبدون الشيطان؛ لأن عبادة الله إنما تكون بما شرع وأمر. وهم ـ وإن زعموا أنهم يعبدونه ـ فتلك الأعمال المبدلة والمنهي عنها هو يكرهها ويبغضها وينهى عنها، فليست عبادة.
فكل كافر بمحمد، لا يعبد ما يعبده محمد ما دام كافرًا. والفعل المضارع يتناول ما هو دائم لا ينقطع. فهو ما دام كافرًا، لا يعبد معبود محمد صلى الله عليه وسلم، لا في الحاضر، ولا في المستقبل.
ولم يقل عنهم :[ ولا تعبدون ما أعبد ]، بل ذكر الجملة الاسمية ليبين أن نفس نفوسكم الخبيثة الكافرة بريئة من عبادة إله محمد، لا يمكن أن تعبده ما دامت كافرة؛ إذ لا تكون عابدته إلا بأن تعبده / وحده بما أمر به على لسان محمد. ومن كان كافرًا بمحمد، لا يكون عمله عبادة الله قط.
وتبرئتهم من عبادة الله، جاءت بلفظ واحد، بجملة اسمية تقتضي براءة ذواتهم من عبادة الله، لم تقتصر على نفي الفعل.
ولم يحتج أن يقول فيهم :[ ولا أنتم عابدون ما عبدت ]، كما قال في نفسه :﴿ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ﴾ لوجهين :