وقوله :﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾، يتناول كل كافر. فهو لا يعبد ما يعبده أحد من الكفار، ولا مشركي العرب، ولا غيرهم من المشركين / والكفار أهل الكتاب ـ لا اليهود ولا النصارى، ولا غيرهم من أصناف الكفار ـ وذلك أنه قال :﴿ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾. فذكر لفظ [ ما ]، ولم يقل :[ من تعبدون ]. و [ ما ] تدل على الصفة كما تقدم وما ذكره المهدوي وغيره من أنه قال :﴿ مَا أَعْبُدُ ﴾ ولم يقل :[ من أعبد ] ـ يقابل به ﴿ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ﴾ الذي يراد به الأصنام، فضعيف جدًا يغيِّر اللغة ويخص عموم القرآن ـ وهو عموم مقصود ـ ويزيل المعنى الذي به تعلقت هذه البراءة.
فإن [ ما ] في اللغة إما لما لا يعلم، ولصفات ما يعلم، كما في قوله :﴿ فَانكِحُواْ مَا طَابَ ﴾ [ النساء : ٣ ] ﴿ وَمَا سَوَّاهَا ﴾ [ الشمس : ٧ ]، ﴿ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى ﴾ [ الليل : ٣ ]، وفي التسيبح المأثور أنه يقال عند سماع الرعد :[ سبحان ما سبحت له ] ومثله كثير. فقوله :﴿ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾، جار على أصل اللغة.
وأيضًا، فقوله :﴿ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾، خطاب للكفار مطلقًا، فهو لا يعبد الملائكة، ولا غير ذلك مما عبد من دون الله ـ وإن كان ما عبد أهل العلم والعقل ـ فَعَبَّر عن ذواتهم بـ [ من ] فتخصيص البراءة من الشرك بشرك مشركي العرب غلط عظيم، وإنما هي براءة من كل شرك.
وكون الرب يتصف بما تتصف به الأصنام من عدم العلم ما لا / يجوز عليه، ولا تصح المقابلة في مثل ذلك، بل المقصود ذكر الصفات والإخبار بمعبود الرسول والمؤمنين ليتبرأ من معبدوهم ويبرئهم من معبوده.