وإذا قال اليهود : نحن نقصد عبادة الله، كانوا كاذبين، سواء عرفوا أنهم كاذبون أو لم يعرفوا، كما يقول النصارى : إنا نعبد الله وحده وما نحن بمشركين، وهم كاذبون؛ لأنهم لو أرادوا عبادته لعبدوه بما أمر به، وهو الشرع، لا بالمنسوخ المبدل.
وأيضًا، فالرب الذي يزعمون أنهم يقصدون عبادته، هو عندهم رب لم ينزل الإنجيل ولا القرآن، ولا أرسل المسيح ولا محمدًا. بل هو عند بعضهم فقير، وعند بعضهم بخيل، وعند بعضهم عاجز، وعند بعضهم لا يقدر أن يغير ما شرعه. وعند جميعهم أنه أيد الكاذبين المفترين عليه، الذين يزعمون أنهم رسله وليسوا رسله، بل هم كاذبون سحرة. قد أيدهم ونصرهم، ونصر أتباعهم على أوليائه المؤمنين؛ لأنهم عند أنفسهم أولياؤه دون الناس. فالرب الذي يعبدونه هو ـ دائمًا ـ ينصر أعداءه.
فهم يعبدون هذا الرب، والرسول والمؤمنون لا يعبدون هذا المعبود الذي تعبده اليهود. فهو منزه عما وصفت به اليهود معبودها / من جهة كونه معبودًا لهم ـ منزه عن هذه الإضافة. فليس هو معبودًا لليهود، وإنما في جبلاتهم صفات ليست هي صفاته زينها لهم الشيطان. فهم يقصدون عبادة المتصف بتلك الصفات، وإنما هو الشيطان.
فالرسول والمؤمنون لا يعبدون شيئًا تعبده اليهود ـ وإن كانوا يعبدون من يعبدونه، وهذا مما يظهر به فائدة ما ذكرنا.