وعلى هذا فقوله :﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾، خطاب لجميع الكفار كما دلت عليه الآية. وبهذا يظهر خطأ من قال : إنه خطاب للمشركين والنصارى دون اليهود، كما في قول ابن زيد :﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾، قال : للمشركين والنصارى، واليهود، لا يعبدون إلا الله، ولا يشركون، إلا أنهم يكفرون ببعض الأنبياء بما جاؤوا به من عند الله، ويكفرون برسول الله ﷺ وبما جاء به، وقتلوا طوائف الأنبياء ـ ظلمًا ـ وعدوانًا. قال : إلا العصابة التي تقول حيث خرج بُخْت نَصَّر، وقيل : من سموا عزيرًا [ ابن الله ] ولم يعبدوه. ولم يفعلوا كما فعلت النصارى ـ قالت : المسيح ابن الله، وعبدته.
فهذا الذي ذكره من أن اليهود لا تشرك كما أشركت العرب والنصارى صحيح، لكنهم مع هذا لا يعبدون الله، بل يستكبرون عن عبادته، ويعبدون الشيطان، لا يعبدون الله. ومن قال : إن اليهود / تعبد الله فقد غلط غلطًا قبيحًا. فكل من عبد الله، كان سعيدًا من أهل الجنة، وكان من عباد الله الصالحين. قال تعالى :﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴾ [ يس : ٦٠، ٦١ ]
وفي الصحيحين أن النبي ﷺ قال لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن :( إنك تأتي قومًا هم أهل كتاب، فأول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ) ـ وفي رواية :( فادعهم إلى عبادة الله فإذا عرفوا الله فأعلمهم... )
فلا يعبد إلا الله بعد أن أرسل محمدًا وعرفت رسالته وبلغت؛ ولهذا اتفق العلماء على أن أعمالهم حابطة. ولو عبدوا الله لم تحبط أعمالهم. فإن الله لا يظلم أحدًا.