وقبل إرسال محمد، إنما كان يعبد الله من عبده بما أمر به. فأما من ترك عبادته بما أمر به واتبع هواه، فهو لا يعبد الله، إنما يعبد الشيطان، ويعبد الطاغوت. وقد أخبر الله عن اليهود بأنهم عبدوا الطاغوت، وأنه لعنهم وغضب عليهم وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت.
وهو اسم جنس يدخل فيه الشيطان، والوثن، والكهان، / والدرهم، والدينار، وغير ذلك. وقال تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ﴾ [ النساء : ٥١ ]، وقال :﴿ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ﴾ الآية [ البقرة : ١٠١، ١٠٢ ].
وهم أشد عداوة للمؤمنين من النصارى، وكفرهم أغلظ، وهم مغضوب عليهم. ولهذا قيل : إنهم تحت النصارى في النار. واليهود إن لم يعبدوا المسيح، فقد افتروا عليه وعلى أمه بما هو أعظم من كفر النصارى. ولهذا جعل الله النصارى فوقهم إلى يوم القيامة.
فالنصارى مشركون يعبدون الله ويشركون به. وأما اليهود فلا يعبدون الله، بل هم معطلون لعبادته، مستكبرون عنها ـ كلما جاءهم رسول بما لا تهوي أنفسهم استكبروا ففريقًا كذبوا وفريقًا يقتلون. بل هم متبعون أهواءهم، عابدون للشيطان.
فالنبي والمؤمنون لا يعبدون ما تعبده اليهود. وهم ـ وإن وصفوا الله ببعض ما يستحقه ـ فهم يصفونه بما هو منزه عنه. وليس في قلوبهم عبادة له وحده. فإن ذلك لا يكون إلا لمن عبده بما أمره به.