وإذا كان كذلك، فاليهود والنصارى ليسوا على ملة إبراهيم، وإذا لم يكونوا على ملته، لم يكونوا يعبدون إله إبراهيم. فإن من عبد إله إبراهيم كان على ملته، قال تعالى :﴿ وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ ـ إلى قوله ـ :﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [ البقرة : ١٣٥، ١٣٧ ]، فقوله :﴿ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيم ﴾، يبين أن ما عليه اليهود والنصارى ينافي ملة إبراهيم.
وهذا بعد مبعث محمد مما لا ريب فيه، فإنه هو الذي بعث بملة إبراهيم. والطائفتان كانتا خارجتين عنها بما وقع منهم من التبديل. قال تعالى :﴿ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ [ آل عمران : ٦٨ ]، وقال :﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ّ ﴾ الآية [ الأنعام : ١٦١ ].
وقال :﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ [ النحل : ١٢٣ ].
وقوله :﴿ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾، يبين / أن كل من رغب عنها فقد سفه نفسه. وفيه من جهة الإعراب والمعنى قولان :
أحدهما ـ وهو قول الفراء وغيره من نحاة الكوفة واختيار ابن قتيبة وغيره، وهو معنى قول أكثر السلف ـ : أن النفس هي التي سفهت. فإن [ سفه ] فعل لازم لا يتعدي، لكن المعنى : إلا من كان سفيهًا فجعل الفعل له ونصب النفس على التمييز لا النكرة، كقوله :﴿ وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ﴾ [ مريم : ٤ ].


الصفحة التالية
Icon