والمقصود أن كل من رغب عن ملة إبراهيم فهو سفيه. قال أبو العالية : رغبت اليهود والنصارى عن ملة إبراهيم، وابتدعوا اليهودية والنصرانية، وليست من الله، وتركوا دين إبراهيم. وكذلك قال قتادة : بدلوا دين الأنبياء واتبعوا المنسوخ.
فأما موسي والمسيح، ومن اتبعهما، فهم على ملة إبراهيم متبعون له، وهو إمامهم. وهذا معنى قوله :﴿ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ [ آل عمران : ٦٨ ]. فهو يتناول الذين اتبعوه قبل مبعث محمد وبعد مبعثه. وقيل : إنه عام، قال الحسن البصري : كل مؤمن ولي إبراهيم ممن مضي وممن بقي. وقال الربيع بن أنس : هم المؤمنون الذين صدقوا نبي الله واتبعوه، وكان محمد والذين معه من المؤمنين أولي الناس بإبراهيم. وهذا وغيره مما يبين أن اليهود والنصارى لا يعبدون الله، وليسوا على ملة إبراهيم.
فإن قيل : فالمشرك يعبد الله وغيره بدليل قول الخليل :﴿ قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [ الشعراء : ٧٥، ٧٧ ]، فقد استثناه مما يعبدون، فدل على أنهم كانوا يعبدون الله. وكذلك قوله :﴿ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي ﴾ [ الزخرف : ٢٦، ٢٧ ]، واستثناه /ـ أيضًا. وفي المسند وغيره حديث حُصَين الخُزَاعي لما قال له النبي ﷺ :[ يا حُصَين !، كم تعبد اليوم ؟ ] قال : سبعة آلهة ـ ستة في الأرض، وواحد في السماء. قال :[ فمن الذي تعد لرغبتك ورهبتك ؟ ] قال : الذي في السماء.
قيل : هذا قول المشركين، كما تقول اليهود والنصارى : نحن نعبد الله. فهم يظنون أن عبادته مع الشرك به عبادة وهم كاذبون في هذا.


الصفحة التالية
Icon