وأما قول الخليل، ففيه قولان؛ قال طائفة : إنه استثناء منقطع، وقال عبد الرحمن بن زيد : كانوا يعبدون الله مع آلهتهم.
وعلى هذا، فهذا لفظ مقيد. فإنه قال :﴿ مَا تَعْبُدُونَ ﴾. فسماه عبادة إذا عرف المراد، لكن ليست هي العبادة التي هي عند الله عبادة. فإنه كما قال تعالى :( أنا أغني الشركاء عن الشرك. من عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه بريء، وهو كله للذي أشرك ). وهذا كقوله تعالى :﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ﴾ [ يوسف : ١٠٦ ]. سماه إيمانًا مع التقييد، وإلا فالمشرك الذي جعل مع الله إلهًا آخر لا يدخل في مسمي الإيمان عند الإطلاق. وقد قال :﴿ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ﴾ [ النساء : ٥١ ]، ﴿ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [ التوبة : ٣٤ ]. فهذا مع التقييد. ومع الإطلاق. فالإيمان هو الإيمان بالله، والبشارة بالخير.
وقوله :﴿ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ [ الكافرون : ٣ ]، نفي العبادة مطلقًا، ليس هو نفي لما قد سمي عبادة مع التقييد. والمشرك إذا كان يعبد الله ويعبد غيره فيقال : إنه يعبد الله وغيره، أو يعبده مشركًا به. لا يقال : إنه يعبد مطلقًا. والمعطل الذي لا يعبد شيئًا شر منه. والعبادة المطلقة المعتدلة هي المقبولة، وعبادة المشرك ليست مقبولة.


الصفحة التالية
Icon