سورة الفرقان
قال شيخ الإسلام ـ رَحِمهُ اللّه تعالى :

فصل


أكبر الكبائر ثلاث : الكفر، ثم قتل النفس بغير الحق، ثم الزنا، كما رتبها اللّه فى قوله :﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ﴾ [ الفرقان : ٦٨ ]، وفى الصحيحين من حديث عبد اللّه بن مسعود قال : قلت : يا رسول اللّه، أى الذنب أعظم ؟ قال :( أن تجعل للّه ندا وهو خلقك )، قلت : ثم أى ؟ قال :( ثم أن تقتل ولدك خشية أن يُطْعَمَ معك )، قلت : ثم أى ؟ قال :( أن تزانى بحليلة جارك ).
ولهذا الترتيب وجه معقول، وهو أن قوى الإنسان ثلاث : قوة العقل، وقوة الغضب، وقوة الشهوة. فأعلاها القوة العقلية التي يختص بها الإنسان دون سائر الدواب، وتشركه فيها الملائكة، كما قال أبو بكر عبد العزيز من أصحابنا وغيره : خُلق للملائكة عقول بلا شهوة، / وخُلق للبهائم شهوة بلا عقل، وخُلق للإنسان عقل وشهوة، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فالبهائم خير منه. ثم القوة الغضبية التي فيها دفع المضرة، ثم القوة الشهوية التي فيها جلب المنفعة.
ومن الطبائعيين من يقول : القوة الغضبية هى الحيوانية، لاختصاص الحيوان بها دون النبات. والقوة الشهوية هى النباتية لاشتراك الحيوان والنبات فيها. واختصاص النبات بها دون الجماد.
لكن يقال : إن أراد أن نفس الشهوة مشتركة بين النبات والحيوان فليس كذلك، فإن النبات ليس فيه حنين ولا حركة إرادية، ولا شهوة ولا غضب. وإن أراد نفس النمو والاغتذاء فهذا تابع للشهوة وموجبها.


الصفحة التالية
Icon