وله نظير فى الغضب : وهو أن موجب الغضب وتابعه هو الدفع والمنع، وهذا معنى موجود فى سائر الأجسام الصلبة القوية، فذات الشهوة والغضب مختص بالحى. وأما موجبهما من الاعتداء والدفع فمشترك بينهما وبين النبات القوى، فقوة الدفع والمنع موجود فى النبات الصلب القوى، دون اللين الرطب، فتكون قوة الدفع مختصة ببعض النبات، لكنه موجود فى سائر الأجسام الصلبة، فبين الشهوة والغضب عموم وخصوص.
وسبب ذلك، أن قوى الأفعال فى النفس إما جذب وإما دفع، فالقوة الجاذبة الجالبة للملائم هى الشهوة وجنسها من المحبة والإرادة ونحو ذلك، والقوة الدافعة المانعة للمنافى هى الغضب وجنسها من البغض والكراهة، وهذه القوة باعتبار القدر المشترك بين الإنسان والبهائم هى مطلق الشهوة والغضب، وباعتبار ما يختص به الإنسان : العقل والإيمان والقوى الروحانية المعترضة.
فالكفر متعلق بالقوة العقلية الناطقة الإيمانية، ولهذا لا يوصف به من لا تمييز له، والقتل ناشئ عن القوة الغضبية، وعدوان فيها. والزنا عن القوة الشهوانية. فالكفر اعتداء وفساد فى القوة العقلية الإنسانية، وقتل النفس اعتداء وفساد فى القوة الغضبية. والزنا اعتداء وفساد فى القوة الشهوانية.
ومن وجه آخر ظاهر، أن الخلق خلقهم اللّه لعبادته، وقوام الشخص بجسده، وقوام النوع بالنكاح والنسل، فالكفر فساد المقصود الذي له خلقوا، وقتل النفس فساد النفوس الموجودة، والزنا فساد فى المنتظر من النوع. فذاك إفساد الموجود، وذاك إفساد لما لم يوجد بمنزلة من أفسد مالاً موجودا، أو منع المنعقد أن يوجد. وإعدام الموجود أعظم فسادا، فلهذا كان الترتيب كذلك.
ومن وجه ثالث، أن الكفر فساد القلب والروح الذي هو ملك الجسد، والقتل إفساد للجسد الحامل له، وإتلاف الموجود. وأما الزنا فهو فساد فى صفة الوجود لا فى أصله، لكن هذا يختص بالزنا، ومن هنا يتبين أن اللواط أعظم فسادا من الزنا.

فصل



الصفحة التالية
Icon