وأيضاً، فيدل على هذا الأصل قوله : فى سياق ما أحله له :﴿ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ﴾ [ الأحزاب : ٥٠ ]، من وجهين :
أحدهما : أنه لما أحل له الواهبة قال :﴿ خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ليبين اختصاصه بذلك. فعلم أنه حيث سكت عن الاختصاص كان الاشتراك ثابتاً، وإلا فلا معنى لتخصيص هذا الموضع ببيان الاختصاص.
الثانى : أنه ما أحله من الأزواج ومن المملوكات ومن الأقارب / أطلق، وفى الموهوبة قيدها بالخلوص له؛ فعلم أن سكوته عن التقييد فى أولئك دليل الاشتراك.
فإن قيل : السكوت لا يدل على واحد منهما، والتقييد بالخلوص ينفى الاشتراك، فتكون فائدته ألا يظن الاشتراك بدليل منفصل، فإن التحليل له لا يدل على الاختصاص قطعاً، لكن هل يدل على الاشتراك أم لا يدل على واحد منهما ؟ هذا موضع التردد. فإذا قيد بالخلوص دل على الاختصاص. قيل : لو لم يدل على الاشتراك لم يثبت الحكم فى حق الأمة لانتفاء دليله، كما أن ما سكت عنه من المحرمات لم يثبت الحكم لانتفاء دليله.
وهنا إما أن يقال : كانوا يستحلونه على الأصل، وليس كذلك؛ لأن الفروج محظورة إلا بالتحليل الشرعى، فكان يكون محظوراً عليهم فلا يحتاج إلى إخلاصه له لو لم يكن الخطاب المطلق يقتضى الاشتراك والعموم، وأنه من باب الخاص فى اللفظ العام فى الحكم.
وأصل هذا أن اللفظ فى اللغة قد يصير بحسب العرف الشرعى أو غيره أخص أو أعم، فالخطاب له وإن كان خاصاً فى اللفظ لغة فهو عام عرفاً، وهو مما نقل بالعرف الشرعى من الخصوص إلى العموم، كما ينقل مثل ذلك فى مخاطبات الملوك ونحو ذلك، وهو كثير. كما أن / العام قد يصير بالعرف خاصاً.


الصفحة التالية
Icon