والآية المتقدمة وهى قوله :﴿ زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا ﴾ [ الأحزاب : ٣٧ ]، تدل على أن أفعاله ﷺ تقتضى الإباحة لأمته، مع القطع بأن الفعل فى نفسه لا يعم لفظاً ووضعا ً، وإنما يعم بما ثبت من أن الأصل الاشتراك والإيتساء. ويدل على ذلك ـ أيضاً ـ قوله فى السورة :﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ الآية [ الأحزاب : ٢١ ]. فإن فيها التأسي فيما أصابه. ومتى ثبت الحكم في الإيتساء به فى حكمه عند ما أصابه : كان كذلك فيما فعله؛ إذ المصاب عليه فيه واجبات ومحرمات؛ فدلت هذه / الآية على أن الأصل مشاركته فى الإيجاب والحظر، كما دلت تلك على أن الأصل مشاركته فى الإحلال.
قوله :﴿ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ الآية [ الأحزاب : ٥٩ ]، دليل على أن الحجاب إنما أمر به الحرائر دون الإماء؛ لأنه خص أزواجه وبناته، ولم يقل : وما ملكت يمينك وإماؤك وإماء أزواجك وبناتك. ثم قال :﴿ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ ﴾ والإماء لم يدخلن فى نساء المؤمنين، كما لم يدخل فى قوله :﴿ نِسَائِهِنَّ ﴾ ما ملكت أيمانهن حتى عطف عليه في آيتي النور والأحزاب، وهذا قد يقال : إنما ينبنى على قول من يخص ما ملكت اليمين بالإناث، وإلا فمن قال : هى فيهما أو في الذكور ففيه نظر.
وأيضاً، فقوله :﴿ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ﴾ [ البقرة : ٢٢٦ ]، وقوله :﴿ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم ﴾ [ المجادلة : ٢ ]، إنما أريد به الممهورات دون المملوكات، فكذلك هذا، فآية الجلابيب في الأرْدِية عند البروز من المساكن، وآية الحجاب عند المخاطبة في المساكن، فهذا مع ما في الصحيح من أنه لما اصطفى صفية بنت حُيَىِّ وقالوا : إن حَجبَها فهى من أمهات المؤمنين، وإلا فهى مما ملكت يمينه، دل على أن الحجاب كان مختصاً بالحرائر.


الصفحة التالية
Icon