وأما استعاذته به منه، فلابد أن يكون باعتبار جهتين : يستعيذ به باعتبار تلك الجهة، ومنه باعتبار تلك الجهة ليتغاير المستعاذ به والمستعاذ /منه؛ إذ أن المستعاذ منه مخوف مرهوب منه، والمستعاذ به مدعو مستجار به ملتجأ إليه، والجهة الواحدة لا تكون مطلوبة مهروبًا منها، لكن باعتبار جهتين تصح، كما في الحديث الذي في الصحيحين عن البراء بن عازب؛ أن النبي ﷺ عَلَّم رجلًا أن يقول عند النوم :( اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وألجأت ظهري إليك، وفوضت أمري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا منجا ولا ملجأ منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت )، فبين أنه لا ينجي منه إلا هو، ولا يلتجأ منه إلا إليه. وأعمل الفعل الثاني، لما تنازع الفعلان في العمل. ومعلوم أن جهة كونه منجيًا غير جهة كونه منجيًا منه، وكذلك جهة كونه ملتجأ إليه غير كونه ملتجأ منه، سواء قيل : إن ذلك يتعلق بمفعولاته أو أفعاله القائمة به أو صفاته أو بذاته باعتبارين.