ولابد لكل عبد من أن يقع منه ما يحتاج معه إلى التوبة والاستغفار، ويبتلي بما يحتاج معه إلى الصبر، فلهذا يؤمر بالصبر والاستغفار كما قيل لأفضل الخلق :﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ﴾ [ غافر : ٥٥ ]. وقد بسط الكلام في غير هذا الموضع على مناظرة آدم وموسى، فإن كثيرًا من الناس حملوها على محامل مخالفة للكتاب والسنة وإجماع الأمة، ومنهم من كذب بالحديث لعدم فهمه له، والحديث ـ حق ـ يوجب أن الإنسان إذا جرت عليه مصيبة بفعل غيره مثل أبيه أو غير أبيه، لا سيما إذا كان أبوه قد تاب منها فلم يبق عليه من جهة الله تبعة، كما جري لآدم ـ صلوات الله عليه ـ قال تعالى :﴿ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عليه وَهَدَى ﴾ [ طه ١٢١ : ١٢٢ ]، /وقال :﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عليه ﴾ [ البقرة : ٣٧ ]، وكان آدم وموسى أعلم بالله من أن يحتج أحدهما لذنبه بالقدر ويوافقه الآخر، ولو كان كذلك، لم يحتج آدم إلى توبة، ولا أهبط من الجنة، وموسى هو القائل :﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ﴾ [ القصص : ١٦ ]، وهو القائل :﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [ الأعراف : ١٥١ ]، وهو القائل :﴿ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ﴾ [ الأعراف : ١٥٥ ]، وهو القائل لقومه :﴿ فَتُوبُواْ إلى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ ﴾ [ البقرة : ٥٤ ]، فلو كان المذنب يعذر بالقدر، لم يحتج إلى هذا، بل كان الاحتجاج بالقدر لما حصل من موسى ملام على ما قدر عليه من المصيبة التي كتبها الله وقدرها.


الصفحة التالية
Icon