ومن الإيمان بالقدر : أن يعلم العبد أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فالمؤمن يصبر على المصائب، ويستغفر من الذنوب والمعائب، والجاهل الظالم يحتج بالقدر على ذنوبه وسيئاته، ولا يعذر بالقدر من أساء إليه، ولا يذكر القدر عند ما ييسره الله له من الخير، فعكس القضية، بل كان الواجب عليه إذا عمل حسنة أن يعلم أنها نعمة من الله هو يسرها وتفضل بها، فلا يعجب بها ولا يضيفها إلى نفسه كأنه الخالق لها، وإذا عمل سيئة استغفر وتاب منها، وإذا أصابته مصيبة سماوية أو بفعل العباد يعلم أنها كانت مقدرة مقضية عليه، /وهذا مبسوط في موضعه.
والمراد هنا : أنه ـ سبحانه ـ بين أنه إنما خلق المخلوقات لحكمته، وهذا معنى قوله :﴿ بالحق ﴾، وقد ذم من ظن أنه خلق ذلك باطلًا وعبثًا، فقال :﴿ فَتُوبُواْ إلى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ ﴾ [ المؤمنون : ١١٥ ]، وقال :﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ﴾ [ القيامة : ٣٦ ]، وقال :﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأولى الألْباب الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [ آل عمران : ١٩٠ : ١٩١ ]، فلابد من جزاء العباد على أعمالهم؛ فلهذا قيل :﴿ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾ [ الحجر : ٨٥ ]. ولله ـ سبحانه ـ في كل ما يخلقه حكمة يحبها ويرضاها، وهو ـ سبحانه ـ أحسن كل شيء خلقه، وأتقن كل ما صنع، فما وقع من الشر الموجود في المخلوقات، فقد وجد لأجل تلك الحكمة المطلوبة المحبوبة المرضية، فهو من الله حسن جميل، وهو -سبحانه- محمود عليه، وله الحمد على كل حال، وإن كان شرًا بالنسبة إلى بعض الأشخاص.


الصفحة التالية
Icon