وهذا كما يذكره ـ سبحانه ـ في آية الكرسي مثل قوله :﴿ اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ]، فنفي أَخْذ السِّنَة والنوم له مستلزم لكمال حياته وقيوميته، فإن النوم ينافي القيومية، والنوم أخو الموت؛ ولهذا كان أهل الجنة لاينامون، ثم قال :﴿ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ]، فَنَفْي الشفاعة بدون إذنه مستلزم لكمال ملكه؛ إذ كل من شفع إليه شافع بلا إذنه فقبل شفاعته، كان منفعلًا عن ذلك الشافع، فقد أثرت شفاعته فيه فصيرته فاعلًا بعد أن لميكن، وكان ذلك الشافع شريكًا للمشفوع إليه في ذلك الأمر المطلوب بالشفاعة، إذ كانت بدون إذنه، لا سيما والمخلوق إذا شفع إليه بغير إذنه فقبل الشفاعة؛ فإنما يقبلها لرغبة أو لرهبة، إما من/الشافع أو من غيره، وإلا فلو كانت داعيته من تلقاء نفسه تامة مع القدرة، لميحتج إلى شفاعة، والله ـ تعالى ـ منزه عن ذلك كله، كما قال في الحديث الإلهي :( يا عبادي، إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضري فتضروني ) ؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلميأمر أصحابه بالشفاعة إليه، فكان إذا أتاه طالب حاجة يقول :( اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء ) أخرجاه في الصحيحين، وكان مقصوده أنهم يؤجرون على الشفاعة، وهو إنما يفعل ما أمره الله به.