وبالجملة، فالشارع حكيم لا يفرق بين متماثلين إلا لاختصاص أحدهما بما يوجب الاختصاص، ولايسوي بين مختلفين غير متساويين، بل قد أنكر ـ سبحانه ـ على من نسبه إلى ذلك وقبح منيحكم بذلك، فقال تعالى :﴿ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ﴾ [ ص : ٢٨ ]، وقال تعالى :﴿ ًامْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [ الجاثية : ٢١ ]، وقال تعالى :﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ [ القلم : ٣٥ : ٣٦ ]، وقال تعالى :﴿ أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِي الزُّبُرِ ﴾ [ القمر : ٤٣ ]، وقال تعالى :﴿ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أولي الْأَبْصَارِ ﴾ [ الحشر : ٢ ]، وإنما يكون الاعتبار إذا سوى بين المتماثلين، وأما إذا قيل : ليس الواقع كذلك، فلا اعتبار.
وقد تنازع الناس في هذا الأصل، وهو أنه هل يخص بالأمر/والنهي مايخصه لا لسبب ولا لحكمة قط، بل مجرد تخصيص أحد المتماثلين على الآخر ؟ فقال بذلك جهم بن صفوان ومن وافقه من الجبرية، ووافقهم كثير من المتكلمين المثبتين للقدر. وأما السلف وأئمة الفقه والحديث والتصوف وأكثر طوائف الكلام المثبتين للقدر ـ كالكرَّامية وغيرهم ونفاته كالمعتزلة وغيرهم ـ فلا يقولون بهذا الأصل، بل يقولون : هو ـ سبحانه ـ يخص مايخص من خلقه وأمره لأسباب ولحكمة له في التخصيص، كما بسط الكلام على هذا الأصل في مواضع.