وكذلك قول من قال : يضعف لقارئها مقدار ما يعطاه قارئ ثلث القرآن بلا تضعيف، قول لايدل عليه الحديث، ولا في العقل مايدل عليه، وليس فيه مناسبة ولا حكمة، فإن النص أخبر أن قراءتها تعدل ثلث القرآن، وأن من قرأها فكأنما قرأ ثلث القرآن، فإن كان في هذا تضعيف، ففي هذا تضعيف، وإن لميكن في هذا تضعيف لميكن في الآخر، فتخصيص أحدهما بالتضعيف تحكم. ثم جعل التضعيف بقدر ثلث القرآن إنما هو لما اختصت به السورة من الفضل، وحينئذ ففضلها هو سبب هذا التقدير من غير حاجة إلى نقص ثواب سائر القرآن. وأيضًا، فهذا تحكم محض لا دليل عليه ولا سبب يقتضيه ولا حكمة فيه. والناس كثيرًا ما يغلطون من جهة نقص علمهم وإيمانهم بكلام اللّه ورسوله وقدر ذلك، وما اشتمل عليه /ذلك من العلم الذي يفوق علم الأولين والآخرين.
ومن علم أن الرسول أعلم الخلق بالحق وأفصح الخلق في البيان وأنصح الخلق للخلق، علم أنه قد اجتمع في حقه كمال العلم بالحق وكمال القدرة على بيانه وكمال الإرادة له، ومع كمال العلم والقدرة والإرادة يجب وجود المطلوب على أكمل وجه، فيعلم أن كلامه أبلغ مايكون، وأتم مايكون، وأعظم مايكون بيانًا لما بينه في الدين من أمور الإلهية وغير ذلك، فمن وقر هذا في قلبه، لميقدر على تحريف النصوص بمثل هذه التأويلات التي إذا تدبرت وجد من أرادها بذلك القول من أبعد الناس عما يجب اتصاف الرسول به، وعلم أن من سلك هذا المسلك، فإنما هو لنقص ما أوتيه من العلم والإيمان، وقد قال تعالى :﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [ المجادلة : ١١ ]. فنسأل اللّه أنيجعلنا وإخواتنا ممن رفع درجاته من أهل العلم والإيمان.


الصفحة التالية
Icon