وقال البخاري في باب [ الجمع بين السورتين في ركعة ] : وقال عبيد الله، عن ثابت، عن أنس : كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء، فكان كلما افتتح سورة يقرأ لهم بها في الصلاة مما يقرأ به، افتتح بـ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ حتى يفرغ منها، ثم يقرأ بسورة أخرى معها، فكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمه أصحابه وقالوا : إنك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تجزيك حتى تقرأ بأخرى. فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى، فقال : ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت، وإن كرهتم ذلك تركتكم. وكانوا يرون أنه من أفضلهم، وكرهوا أن يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبي ﷺ أخبروه الخبر، فقال :( يا فلان، ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك ؟ وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة ؟ ). قال : إني أحبها. قال :( حبك إياها أدخلك الجنة ). وقول النبي ﷺ :( إنها تعدل ثلث القرآن ) حق كما أخبر به، فإنه ﷺ الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، لم يخرج من بين شفتيه إلا حق.
والذين أشكل عليهم هذا القول لهم مأخذان :
أحدهما : منع تفاضل كلام الله بعضه على بعض، وقد تبين ضعفه.
الثاني : اعتقادهم أن الأجر يتبع كثرة الحروف، فما كثرت حروفه من الكلام يكون أجره أعظم. قالوا : لأن النبي ﷺ قال :( من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول : الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف ). قال الترمذي : حديث صحيح. قالوا : ومعلوم أن ثلث القرآن حروفه أكثر بكثير، فتكون حسناته أكثر.