ولهذا إنما يصف الله نفسه بصفات التنزيه، لا السلبية العدمية؛ لتضمنها أمورًا وجودية تكون كمالًا يتمدح ـ سبحانه ـ بها، كما قد بسط في غير هذا الموضع، كقوله تعالى :﴿ اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ]، فنفي ذلك يتضمن كمال الحياة والقيومية، وكذلك قوله :﴿ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ]، يتضمن كمال الملك والربوبية وانفراده بذلك، ونفس انفراده بالملك والهداية والتعليم وسائر صفات الكمال هو من صفات الكمال؛ ولهذا كانت السورة فيها الاسمان الأحد الصمد، وكل منهما يدل على الكمال. فقوله :﴿ أَحَدٌ ﴾ يدل على نفي النظير، وقوله :﴿ الصَّمَدُ ﴾ بالتعريف يدل على اختصاصه بالصمدية.
ولهذا جاء التعريف في اسمه الصمد دون الأحد؛ لأن أحدًا لا يوصف به في الإثبات غيره، بخلاف الصمد، فإن العرب تسمى السيد صمدًا. قال يحيي بن أبي كثير : الملائكة تسمى صمدًا والآدمي أجوف، فقوله :/ ﴿ الصَّمَدُ ﴾ بيان لاختصاصه بكمال الصمدية. وقد ذكرنا تفسير ﴿ الصَّمَدُ ﴾ واشتماله على جميع صفات الكمال، كما رواه العلماء من تفسير ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وقد ذكره ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي وغيرهم في قوله :﴿ الصَّمَدُ ﴾ يقول : السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحليم الذي قد كمل في حلمه، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو ـ سبحانه ـ هذه صفته لا تنبغي إلا له، ليس له كفؤ وليس كمثله شيء سبحانه الواحد القهار.


الصفحة التالية
Icon