وكذلك قد ثبت من حديث الأعمش عن أبي وائل، وقد ذكره البخاري في صحيحه، ورواه كثير من أهل العلم في كتبهم قال : الصمد : السيد الذي انتهي سؤدده. وقد قال غير واحد من السلف ـ كابن مسعود وابن عباس وغيرهما : الصمد : الذي لا جوف له. وكلا القولين حق موافق للغة، كما قد بسط في موضعه. أما كون الصمد هو السيد، فهذا مشهور، وأما الآخر فهو ـ أيضًا ـ معروف في اللغة. وقد ذكر الجوهري وغيره أن الصمد لغة في الصمت. وليس هذا من إبدال الدال بالتاء كما ظنه بعضهم، بل لفظ صمد يصمد صمدًا يدل على ذلك.
والمقصود هنا أن صفات الكمال إنما هي في الأمور الموجودة، /والصفات السلبية إنما تكون كمالًا إذا تضمنت أمورًا وجودية؛ ولهذا كان تسبيح الرب يتضمن تنزيهه وتعظيمه جميعًا، فقول العبد :[ سبحان الله ] يتضمن تنزيه الله وبراءته من السوء. وهذا المعنى يتضمن عظمته في نفسه، ليس هو عدمًا محضًا لا يتضمن وجودًا، فإن هذا لا مدح فيه ولا تعظيم. وكذلك سائر ما تنزه الرب عنه من الشركاء والأولاد وغير ذلك، كقوله تعالى :﴿ أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلآئِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا ﴾ ـ إلى قوله :﴿ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا سُبْحَانَهُ وَتعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [ الإسراء : ٤٠ : ٤٤ ]، وقوله تعالى :﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ﴾ [ الصافات١٨٠، ١٨١ ]، وغير ذلك.