والمقصود هنا أن الشيء إذا انقسم ووقعت فيه الشركة نقص ما يحصل لكل واحد، فإذا كان جميعه لواحد كان أكمل؛ فلهذا كان حب المؤمنين الموحدين المخلصين لله أكمل، وكذلك سائر ما نهوا عنه من كبائر الإثم والفواحش يوجب كمال الأمور الوجودية في عبادتهم وطاعتهم ومعرفتهم ومحبتهم، وذلك من زكاهم، كما أن الزرع كلما نقي عنه الدغَل كان أزكي له وأكمل لصفات الكمال الوجودية فيه. قال تعالى :﴿ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ﴾ [ فصلت٦، ٧ ]، وأصل الزكاة التوحيد/والإخلاص، كما فسرها بذلك أكابر السلف. وقال تعالى :﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ﴾ [ النور : ٣٠ ]، وقال :﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ﴾ [ التوبة : ١٠٣ ]. وهذا كله مبسوط في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا أن من نفي عن الله النقائص، كالموت والجهل والعجز والصمم والعمي والبكم، ولم يثبت له صفات وجودية، كالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام، بل زعم أن صفاته ليست إلا عدمية محضة، وأنه لا يوصف بأمر وجودي، فهذا لم يثبت له صفة كمال أصلًا، فضلًا عن أن يقال : أي الصفتين أفضل ؟ فإن التفضيل بين الشيئين فرع كون كل منهما له كمال ما، ثم ينظر أيهما أكمل، فأما إذا قدر أن كلًا منهما عدم محض، فلا كمال ولا فضيلة هناك أصلًا.


الصفحة التالية
Icon