ولا ريب أن التماثل أو التفاضل لا يعقل إلا مع التعدد، وتعدد أسماء الله وصفاته وكلماته هو القول الذي عليه جمهور المسلمين، وهو الذي كان عليه سلف الأمة وأئمتها، وهو الموافق لفطرة الله التي فطر عليها عباده؛ فلهذا كان الناس يتخاطبون بموجب الفطرة والشرعة، وإن كانت لبعضهم أقوال أخر تنافي الفطرة والشرعة، وتستلزم بطلان ما يقوله بمقتضي الفطرة والشرعة، فإن القرآن والسنة قد دلا على تعدد كلمات الله في غير موضع، وقد قال تعالى :﴿ قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴾ [ الكهف : ١٠٩ ]، وقال تعالى :﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ﴾ [ لقمان : ٢٧ ].
وقد ذكرنا في غير هذا الموضع قول السلف، وأنهم كانوا يثبتون لله كلمات لا نهاية لها، وبينا النزاع في تعدد العلوم والإرادات، وأن/كثيرًا من أهل الكلام يقول ما عليه جمهور الناس من تعدد ذلك. وأن الذين قالوا : يريد جميع المرادات بإرادة واحدة إنما أخذوه عن ابن كُلاب، وجمهور العقلاء قالوا : هذا معلوم الفساد بالضرورة، حتى إن من فضلاء النظار من ينكر أن يذهب إلى هذا عاقل من الناس؛ لأنه رآه ظاهر الفساد في العقل، ولم يعلم أنه قاله طائفة من النظار.


الصفحة التالية
Icon