ومنه في الاشتقاق الأكبر الصوم، فإن الصوم هو الإمساك. قال أبو عبيدة : كل ممسك عن طعام أو كلام أو سير فهو صائم؛ لأن الإمساك فيه اجتماع، والصائم لا يدخل جوفه شيء، ويقال : صام الفرس، إذا قام في غير اعتلاف. قال النابغة :
خيل صيام وخيل غير صائمة ** تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
وكذلك السد والسداد والسؤدد والسواد، وكذلك لفظ الصمد فيه الجمع، والجمع فيه القوة، فإن الشيء كلما اجتمع بعضه إلى بعض، ولم يكن فيه خلل كان أقوي مما إذا كان فيه خلو؛ ولهذا يقال للمكان الغليظ المرتفع : صمد؛ لقوته وتماسكه، واجتماع أجزائه، والرجل الصمد : هو السيد المصمود، أي : المقصود، يقال : قصدته وقصدت له، وقصدت إليه، وكذلك هو مصمود، ومصمود له وإليه. والناس إنما يقصدون في حوائجهم من يقوم بها، وإنما يقوم بها من يكون في نفسه مجتمعًا قويًا ثابتًا، وهو السيد الكريم، بخلاف من يكون هلوعًا جزوعًا يتفرق ويقلق ويتمزق من كثرة حوائجهم وثقلها، فإن هذا ليس بسيد صمد يصمدون إليه في حوائجهم.