ثم اختلفوا في التدرع واختلفوا : هل هما جوهر أو جوهران ؟ وهل لهما مشيء ة أو مشيء تان ؟ ولهم في الحلول والاتحاد كلام مضطرب ليس هذا موضع بسطه، فإن مقالة النصارى فيها من الاختلاف بينهم ما يتعذر ضبطه، فإن قولهم ليس مأخوذًا عن كتاب منزل، ولا نبي مرسل، ولا هو موافق لعقول العقلاء، فقالت اليعقوبية : صار جوهرًا واحدًا، وطبيعة واحدة، وأقنومًا واحدًا، كالماء في اللبن. وقالت/النسطورية : بل هما جوهران وطبيعتان ومشيء تان؛ لكن حل اللاهوت في الناسوت حلول الماء في الظرف. وقالت الملكِيةُ : بل هما جوهر واحد، له مشيء تان وطبيعتان، أو فعلان، كالنار في الحديد.
وقد ذهب بعض الناس إلى أن قوله تعالى :﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ [ المائدة : ٧٢ ]، هم اليعقوبية، وفي قوله :﴿ وَقَالَتِ اليهود عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ﴾ [ التوبة : ٣٠ ]، هم الملكية، وقوله :﴿ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ ﴾ [ المائدة : ٧٣ ]، هم النسطورية وليس بشيء، بل الفِرَق الثلاث تقول المقالات التي حكاها الله ـ عز وجل ـ عن النصارى، فكلهم يقولون : إنه الله، ويقولون : إنه ابن الله، وكذلك في أمانتهم التي هم متفقون عليها، يقولون : إله حق من إله حق، وأما قوله :﴿ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ ﴾، فإنه قال تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ﴾ [ المائدة : ١١٦ ].


الصفحة التالية
Icon