ومثل ما ذكره أصحاب الشافعي وأحمد في مسألة تعيين الفاتحة في الصلاة. قال أبو المظفر ـ منصور بن محمد السمعاني الشافعي في كتاب [ الاصطلام ] ـ : وأما قولهم : إن سائر الأحكام المتعلقة بالقرآن لا تختص بالفاتحة. قلت : سائر الأحكام قد تعلقت بالقرآن على العموم، وهذا على الخصوص؛ بدليل أن عندنا قراءة الفاتحة على التعيين مشروعة على الوجوب وعندكم على السنة. قال : وقد قال أصحابنا : إن قراءة الفاتحة لما وجبت في الصلاة وجب أن تتعين الفاتحة؛ لأن القرآن امتاز عن غيره بالإعجاز، وأقل ما يحصل به الإعجاز سورة، وهذه السورة أشرف السور؛ لأنها السبع المثاني، ولأنها تصلح عوضا عن جميع السور ولا /تصلح جميع السور عوضاً عنها؛ ولأنها تشتمل على ما لا تشتمل سورة ما على قدرها من الآيات، وذلك من الثناء والتحميد للرب والاستعانة والاستعاذة والدعاء من العبد، فإذا صارت هذه السورة أشرف السور، وكانت الصلاة أشرف الحالات، فتعينت أشرف السور في أشرف الحالات. هذا لفظه، فقد نقل عن أصحاب الشافعي أن هذه السورة أشرف السور، كما أن الصلاة أشرف الحالات، وبينوا من شرفها على غيرها ما ذكروه.
وكذلك ذكر ذلك من ذكره من أصحاب أحمد، كالقاضي أبي يعلى ابن القاضي أبي حازم ابن القاضي أبي يعلى ابن الفراء، قال في تعليقه ـ ومن خطه نقلت ـ قال في مسألة كون قراءة الفاتحة ركنا في الصلاة : أما الطريق المعتمد في المسألة فهو أنا نقول : الصلاة أشرف العبادات وجبت فيها القراءة، فوجب أن يتعين لها أشرف السور، والفاتحة أشرف السور، فوجب أن تتعين. قال : واعلم أنا نحتاج في تمهيد هذه الطريقة إلى شيئن : أحدهما : أن الصلاة أشرف العبادات، والثاني : أن الحمد أشرف السور. واستدل على ذلك بما ذكره قال : وأما الدليل على أن فاتحة الكتاب أشرف، فالنص، والمعنى، والحكم.


الصفحة التالية
Icon