ومن المتأخرىن منهم من قال : العلم هو المعلوم، فإذا تصور العاقل أقوالهم حق التصور، تبين له أن هذا الواحد الذي أثبتوه لا يتصور/ وجوده إلا في الأذهان لا في الأعيان، وقد بسط الكلام عليه، وبين فساد ما يقولونه في التوحيد والصفات، وبين فساد شبه التركيب من وجوه كثيرة في مواضع غير هذه. وإذا كان كذلك، فالأصل الذي بنوا عليه قولهم :( إن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد ) أصل فاسد.
الثالث : أن يقال : قولهم بصدور الأشياء مع ما فيها من الكثرة والحدوث عن واحد، بسيط في غاية الفساد.
الرابع : أنه لا يعلم في العالم واحد بسيط صدر عنه شيء لا واحد ولا اثنان، فهذه الدعوى الكلية لا يعلم ثبوتها في شيء أصلًا.
الخامس : أنهم يقولون : صدر عنه واحد، وعن ذلك الواحد عقل ونفس وفلك، فيقال : إن كان الصادر عنه واحدًا من كل وجه، فلا يصدر عن هذا الواحد إلا واحد ـ أيضًا ـ فيلزم أن يكون كل ما في العالم إنما هو واحد عن واحد وهو مكابرة، وإن كان في الصادر الأول كثرة ما بوجه من الوجوه؛ فقد صدر عن الأول ما فيه كثرة ليس واحدًا من كل وجه، فقد صدر عن الواحد ما ليس بواحد.
ولهذا اضطرب متأخروهم، فأبو البركات صاحب [ المعتبر ] أبطل هذا القول ورده غاية الرد، وابن رشد الحفيد زعم أن الفلك بما فيه صادر عن الأول. والطوسي وزير الملاحدة يقرب من هذا، فجعل الأول/شرطًا في الثاني، والثاني شرطا في الثالث، وهم مشتركون في الضلال وهو إثبات جواهر قائمة بنفسها أزلية مع الرب لم تزل ولا تزال معه، لم تكن مسبوقة بعدم، وجعل الفلك ـ أيضًا ـ أزليا، وهذا وحده فيه من مخالفة صريح المعقول والكفر بما جاءت به الرسل ما فيه كفاية، فكيف إذا ضم إليه غير ذلك من أقاويلهم المخالفة للعقل والنقل ؟ !


الصفحة التالية
Icon