الوجه السادس : أن الصوادر المعلومة في العالم إنما تصدر عن اثنين، وأما واحد وحده فلا يصدر عنه شيء، كما تقدم التنبيه عليه في المتولدات من الأعيان والأعراض. وكل ما يذكرونه من صدور الحرارة عن الحار، والبرودة عن البارد، والشعاع عن الشمس، وغير ذلك، فإنما هو صدور أعراض، ومع هذا فلابد لها من أصلين. وأما صدور الأعيان عن غيرها، فهذا لا يعلم إلا بالولادة المعروفة. وتلك لا تكون إلا بانفصال جزء من الأصل، وهذا الصدور والتولد والمعلولية التي يدعونها في العقول والنفوس والأفلاك يقولون : إنها جواهر قائمة بأنفسها صدرت عن جوهر واحد بسيط، فهذا من أبطل قول قيل في الصدور والتولد؛ لأن فيه صدور جواهر عن جوهر واحد، وهذا لا يعقل، وفيه صدوره عنه من غير جزء منفصل من الأصل، وهذا لا يعقل، وهم غاية ما عندهم أن يشبهوا هذا بحدوث بعض الأعراض كالشعاع عن الشمس، وحركة الخاتم عن حركة اليد، وهذا تمثيل/باطل؛ لأن تلك ليست علة فاعلة، وإنما هي شرط فقط، والصادر هناك لم يكن عن أصل واحد، بل عن أصلين، والصادر عرض لا جوهر قائم بنفسه.


الصفحة التالية
Icon