فتبين أن ما ذكره هؤلاء من التولد العقلي الذي يدعونه من أبعد الأمور عن التولد والصدور، وهو أبعد من قول النصارى ومشركي العرب، وهم جعلوا مفعولاته بمنزلة صفة أزلية لازمة لذاته. وقد ذكرنا أن هذا مما يمتنع أن يقال فيه : إنه متولد عنه، وحينئذ فهم في دعواهم إلهية العقول والنفوس والكواكب أكفر من هؤلاء وهؤلاء، ومن جعل من المنتسبين إلى الملل منهم هؤلاء هم الملكية، فقوله في جعل الملائكة متولدين عن الله، شر من قول العرب وعوام النصارى، فإن أولئك أثبتوا ولادة حسية، وكونه صمدًا يبطلها؛ لكن ما أثبتوه معقول، وهؤلاء ادعوا تولدًا عقليا باطلاً من كل وجه أبطل مما ادعته النصارى من تولد الكلمة عن الذات، فكان نفي ما ادعوه أولى من نفي ما ادعاه أولئك؛ لأن المحال الذي يعلم امتناعه في الخارج لا يمكن تصوره موجودًا في الخارج، فإنه يمتنع وجوده في الخارج، بل هو يفرض في الذهن وجوده في الخارج، وذلك إنما يمكن إذا كان له نظير من بعض الوجوه فيقدر له في الوجود الخارجي ما يشبهه، كما إذا قدر مع الله إلهًا آخر، وقدر أن له ولدًا، فإنه يشبه من له ولد من العباد، ومن له شريك من/العباد، ثم يبين امتناع ذلك عليه، فكلما كان المحال أبعد عن مشابهة الموجود كان أعظم استحالة.


الصفحة التالية
Icon