والولادة التي ادعتها النصارى، ثم هؤلاء الفلاسفة، أبعد عن مشابهة الولادة المعلومة من الولادة التي ادعاها بعض مشركي العرب وعوام النصارى واليهود، فكانت هذه الولادة العقلية أشد استحالة من تلك الولادة الحسية؛ إذ الولادة الحسية تعقل في الأعيان القائمة بنفسها، وأما الولادة العقلية فلا تعقل في الأعيان أصلًا. وأيضًا، فأولئك أثبتوا ولادة من أصلين، وهذا هو الولادة المعقولة، وهؤلاء أثبتوا ولادة من أصل واحد، وأولئك أثبتوا ولادة بانفصال جزء، وهذا معقول. وهؤلاء أثبتوا ولادة بدون ذلك، وهو لا يعقل، وأولئك أثبتوا ولادة قاسوها على ولادة الأعيان للأعيان، وهؤلاء أثبتوا ولادة قاسوها على تولد الأعراض عن الأعيان، فعلم أن قول أولئك أقرب إلى المعقول وهو باطل كما بين اللّه فساده وأنكره. فقول هؤلاء أولى بالبطلان، وهذا كما أن اللّه إذا كفر من أثبت مخلوقا يتخذ شفيعا معبودًا من دون اللّه، فمن أثبت قديمًا دون اللّه يعبد، ويتخذ شفيعا كان أولى بالكفر، ومن أنكر المعاد مع قوله بحدوث هذا العالم فقد كفره اللّه، فمن أنكره مع قوله بقدم العالم فهو أعظم كفرًا عند اللّه ـ تعالى.
وهذا كما أن النبي ﷺ لما نهى أمته عن مشابهة/ فارس المجوس والروم النصارى، فنهيه عن مشابهة الروم اليونان المشركين والهند المشركين أعظم وأعظم. وإذا كان ما دخل في بعض المسلمين من مشابهة اليهود والنصارى وفارس والروم مذموما عند اللّه ورسوله، فما دخل من مشابهة اليونان والهند والترك المشركين وغيرهم من الأمم الذين هم أبعد عن الإسلام من أهل الكتاب ومن فارس والروم أولى أن يكون مذمومًا عند اللّه ـ تعالى ـ وأن يكون ذمه أعظم من ذاك.


الصفحة التالية
Icon