فهؤلاء الأمم الذين هم أبعد عن الإسلام الذين ابتلي بهم أواخر المسلمين شر من الأمم الذين ابتلي بهم أوائل المسلمين؛ وذلك لأن الإسلام كان أهله أكمل وأعظم علما ودينا، فإذا ابتلي بمن هو أرجح من هؤلاء غلبهم المسلمون لفضل علمهم ودينهم، وأما هؤلاء المتأخرون فالمسلمون وإن كانوا أنقص من سلفهم، فإنه يظهر رجحانهم على هؤلاء لعظم بعدهم عن الإسلام، ولكن لما كثرت البدع من متأخرى المسلمين، استطال عليهم من استطال من هؤلاء، ولَبَّسُوا عليهم دينهم، وصارت شُبَه الفلاسفة أعظم عند هؤلاء من غيرهم، كما صار قتال الترك الكفار أعظم من قتال من كان قبلهم عند أهل الزمان؛ لأنهم إنما ابتلوا بسيوف هؤلاء، وألسنة هؤلاء، وكان فيهم من نقص الإيمان ما أورث ضعفًا في العلم والجهاد، وكما كان كثير من العرب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا هذا.
ومما يبين هذا أن مشركي العرب واليهود والنصارى يقولون : إن اللّه خلق السموات والأرض بمشيئته وقدرته، بل يقولون : إنه خلق ذلك في ستة أيام، وهؤلاء المتفلسفة عندهم لم يحدثها بعد أن لم تكن، فضلًا عن أن يكون ذلك في ستة أيام، ثم يلبسون على المسلمين فيقولون : العالم محدث، يعنون بحدوثه أنه معلول علة قديمة، فهو بمنزلة قولهم : متولد عن اللّه ـ تعالى ـ لكن هو أمر لا حقيقة له ولا يعقل.