وأيضًا، فمشركو العرب وأهل الكتاب يقرون بالملائكة وإن كان كثير منهم يجعلون الملائكة والشياطين نوعًا واحدًا، فمن خرج منهم عن طاعة اللّه أسقطه وصار شيطانًا، وينكرون أن يكون إبليس كان أبا الجن، وأن يكون الجن ينكحون ويولدون ويأكلون ويشربون، فهؤلاء النصارى الذين ينكرون هذا مع كفرهم هم خير من هؤلاء المتفلسفة، فإن هؤلاء لا حقيقة للملائكة عندهم إلا ما يثبتونه من العقول والنفوس، أو من أعراض تقوم بالأجسام كالقوى الصالحة، وكذلك الجن جمهور أولئك يثبتونها، فإن العرب كانت تثبت الجن، وكذلك أكثر أهل الكتاب، وهؤلاء لا يثبتونها، ويجعلون الشياطين القوى الفاسدة. وأيضًا، فمشركو العرب مع أهل الكتاب يدعون اللّه، ويقولون : إنه يسمع دعاءهم ويجيبهم.
وهؤلاء عندهم لا يعلم شيئًا من جزئيات العالم، ولا يسمع دعاء أحد/ولا يجيب أحدًا، ولا يحدث في العالم شيئًا ولا سبب للحدوث عندهم إلا حركات الفلك، والدعاء عندهم يؤثر؛ لأنه تصرف النفس الناطقة في هيولى العالم. وقد ثبت في الصحيح من حديث أبى هريرة ـ رضي اللّه عنه ـ عن النبي ﷺ قال :( يقول اللّه عز وجل : شتمني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، وكذبني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، فأما شتمه إياي فقوله : إنى اتخذت ولدًا وأنا الأحد الصمد، الذي لم ألد ولم أولد، ولم يكن لى كفوا أحد، وأما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علىَّ من إعادته ).


الصفحة التالية
Icon