ولهذا قال من قال من السلف :[ الصمد ] : هو الدائم، وهو الباقى بعد فناء خلقه، فإن هذا من لوازم الصمدية، إذ لو قبل العدم، لم تكن صمديته لازمة له، بل جاز عدم صمديته فلا يبقى صمدًا، ولا/تنتفي عنه الصمدية إلا بجواز العدم عليه، وذلك محال، فلا يكون مستوجبًا للصمدية، إلا إذا كانت لازمة له، وذلك ينافي عدمه، وهو مستوجب للصمدية، لم يصر صمدًا بعد أن لم يكن - تعالى وتقدس- فإن ذلك يقتضي أنه كان متفرقا فجمع، وأنه مفعول محدث مصنوع، وهذه صفة مخلوقاته. وأما الخالق القديم الذي يمتنع عليه أن يكون معدومًا أو مفعولًا أو محتاجًا إلى غيره بوجه من الوجوه، فلا يجوز عليه شيء من ذلك، فعلم أنه لم يزل صمدًا، ولا يزال صمدًا، فلا يجوز أن يقال : كان متفرقا فاجتمع، ولا أنه يجوز أن يتفرق، بل ولا أن يخرج منه شيء ولا يدخل فيه شيء.
وهذا مما هو متفق عليه بين طوائف المسلمين ـ سنيهم وبدعيهم ـ وإن كان أحد من الجهال أو من لا يعرف قد يقول خلاف ذلك، فمثل هؤلاء لا تنضبط خيالاتهم الفاسدة، كما أنه ليس في طوائف المسلمين من يقول : إنه مولود ووالد، وإن كان هذا قد قاله بعض الكفار، وقد قال المتفلسفة المنتسبون إلى الإسلام من التولد والتعليل ما هو شر من قول أولئك. وأما إثبات الصفات له، وأنه يُرَى في الآخرة، وأنه يتكلم بالقرآن وغيره، وكلامه غير مخلوق، فهذا مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وأئمة المسلمين وأهل السنة والجماعة من جميع الطوائف. والخلاف في ذلك مشهور مع الجهمية والمعتزلة، / وكثير من الفلاسفة والباطنية.


الصفحة التالية
Icon