وقد تنازع فيها الناس، فهذه الألفاظ لا تثبت ولا تنفي إلا بعد الاستفسار عن معانيها، فإن وجدت معانيها مما أثبته الرب لنفسه أثبتت، وإن وجدت مما نفاه الرب عن نفسه نفيت، وإن وجدنا اللفظ أثبت به حق وباطل، أو نفي به حق وباطل، أو كان مجملًا يراد به حق وباطل، وصاحبه أراد به بعضها، لكنه عند الإطلاق يوهم الناس أو يفهمهم ما أراد وغير ما أراد ـ فهذه الألفاظ لا يطلق إثباتها ولا نفيها، كلفظ الجوهر والجسم والتحيز والجهة، ونحو ذلك من الألفاظ التي تدخل في هذا المعنى، فقل من تكلم بها نفيًا أو إثباتًا إلا وأدخل فيها باطلًا، وإن أراد بها حقًا.
والسلف والأئمة كرهوا هذا الكلام المحدث؛ لاشتماله على باطل وكذب، وقولُ عَلَى اللّه بلا علم. وكذلك ذكر أحمد في رده على الجهمية أنهم يفترون على اللّه فيما ينفونه عنه، ويقولون عليه بغير علم، وكل/ ذلك مما حَرَّمَهُ اللّه ورسوله، ولم يكره السلف هذه لمجرد كونها اصطلاحية، ولا كرهوا الاستدلال بدليل صحيح جاء به الرسول، بل كرهوا الأقوال الباطلة المخالفة للكتاب والسنة، ولا يخالف الكتاب والسنة إلا ما هو باطل، لا يصح بعقل ولا سمع.
ولهذا لما سئل أبو العباس ابن سريج عن التوحيد فذكر توحيد المسلمين وقال : وأما توحيد أهل الباطل فهو الخوض في الجواهر والأعراض، وإنما بعث اللّه النبي ﷺ بإنكار ذلك، ولم يرد بذلك أنه أنكر هذين اللفظين؛ فإنهما لم يكونا قد أحدثا في زمنه، وإنما أراد إنكار ما يعني بهما من المعاني الباطلة، فإن أول من أحدثهما الجهمية والمعتزلة، وقصدهم بذلك إنكار صفات اللّه ـ تعالى ـ أو أن يرى، أو أن يكون له كلام يتصف به، وأنكرت الجهمية أسماءه أيضًا.