وأول من عرف عنه إنكار ذلك الجعْدُ بن درهم، فضحى به خالد بن عبد اللّه القَسْرى بواسط. وقال : يا أيها الناس ضحوا تقبل اللّه ضحاياكم، فإني مضحٍ بالجعد بن درهم، إنه زعم أن اللّه لم يتخذ إبراهيم خليلًا، ولم يكلم موسى تكليمًا، تعالى اللّه عما يقول الجعد علوًا كبيرًا. ثم نزل فذبحه.
وكلام السلف والأئمة في ذم هذا الكلام وأهله مبسوط في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا أن أئمة السنة ـ كأحمد بن حنبل وغيره ـ كانوا إذا ذكرت لهم أهل البدع الألفاظ المجملة، كلفظ الجسم والجوهر والحيز ونحوها، لم يوافقوهم لا على إطلاق الإثبات، ولا على إطلاق النفي. وأهل البدع بالعكس ابتدعوا ألفاظًا ومعاني، إما في النفي، وإما في الإثبات، وجعلوها هي الأصل المعقول المحكم، الذي يجب اعتقاده، والبناء عليه، ثم نظروا في الكتاب والسنة، فما أمكنهم أن يتأولوه على قولهم تأولوه، وإلا قالوا : هذا من الألفاظ المتشابهة المشكلة التي لا ندري ما أريد بها، فجعلوا بدعهم أصلًا محكمًا، وما جاء به الرسول فرعًا له ومشكلًا، إذا لم يوافقه. وهذا أصل الجهمية والقدرية وأمثالهم، وأصل الملاحدة من الفلاسفة الباطنية، جميع كتبهم توجد على هذا الطريق، ومعرفة الفرق بين هذا وهذا من أعظم ما يعلم به الفرق بين الصراط المستقيم الذي بعث اللّه به رسوله، وبين السبل المخالفة له، وكذلك الحكم في المسائل العلمية الفقهية، ومسائل أعمال القلوب وحقائقها وغير ذلك. كل هذه الأمور قد دخل فيها ألفاظ ومعان محدثة، وألفاظ ومعان مشتركة.
فالواجب أن يجعل ما أنزله اللّه من الكتاب والحكمة أصلًا في جميع هذه الأمور، ثم يرد ما تكلم فيه الناس إلى ذلك، ويبين مافي الألفاظ المجملة من المعاني الموافقة للكتاب والسنة فتقبل، وما فيها من المعاني /المخالفة للكتاب والسنة فترد.