ولهذا كل طائفة أنكر عليها ما ابتدعت احتجت بما ابتدعته الأخرى، كما يوجد في ألفاظ أهل الرأي والكلام والتصوف، وإنما يجوز أن يقال في بعض الآيات : إنه مشكل ومتشابه إذا ظن أنه يخالف غيره من الآيات المحكمة البينة، فإذا جاءت نصوص بينة محكمة بأمر، وجاء نص آخر يظن أن ظاهره يخالف ذلك يقال في هذا : إنه يرد المتشابه إلى المحكم، أما إذا نطق الكتاب أو السنة بمعنى واحد لم يجز أن يجعل ما يضاد ذلك المعنى هو الأصل، ويجعل ما في القرآن والسنة مشكلًا متشابهًا، فلا يقبل ما دل عليه.
نعم قد يشكل على كثير من الناس نصوص لا يفهمونها، فتكون مشكلة بالنسبة إليهم لعجز فهمهم عن معانيها، ولا يجوز أن يكون في القرآن ما يخالف صريح العقل والحس إلا وفي القرآن بيان معناه، فإن القرآن جعله اللّه شفاءً لما في الصدور، وبيانًا للناس، فلا يجوز أن يكون بخلاف ذلك؛ لكن قد تخفي آثار الرسالة في بعض الأمكنة والأزمنة، حتى لا يعرفون ما جاء به الرسول ﷺ. إما ألا يعرفوا اللفظ، وإما أن يعرفوا اللفظ ولا يعرفوا معناه، فحينئذ يصيرون في جاهلية بسبب عدم نور النبوة، ومن ههنا يقع الشرك، وتفريق الدين شيعًا، كالفتن التي تحدث السيف، فالفتن القولية والعملية/ هي من الجاهلية بسبب خفاء نور النبوة عنهم، كما قال مالك بن أنس : إذا قَلَّ العِلْمُ ظهر الجفَاَءُ، وإذا قلت الآثار ظهرت الأهواء.