ولهذا شبهت الفتن بقطع الليل المظلم؛ ولهذا قال أحمد في خطبته : الحمد للّه الذي جعل في كل زمان فترة بقايا من أهل العلم. فالهدى الحاصل لأهل الأرض إنما هو من نور النبوة كما قال تعالى ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مني هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [ طه : ١٢٣ ]، فأهل الهدى والفلاح هم المتبعون للأنبياء وهم المسلمون المؤمنون في كل زمان ومكان. وأهل العذاب والضلال هم المكذبون للأنبياء، يبقى أهل الجاهلية الذين لم يصل إليهم ما جاءت به الأنبياء.
فهؤلاء في ضلال وجهل وشرك وشر، لكن اللّه يقول :﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [ الإسراء : ١٥ ]، وقال :﴿ رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ [ النساء : ١٦٥ ]، وقال :﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴾ [ القصص : ٥٩ ]، فهؤلاء لا يهلكهم اللّه ويعذبهم حتى يرسل إليهم رسولًا. وقد رويت آثار متعددة في أن من لم تبلغه الرسالة في الدنيا، فإنه يُبْعَثُ إليه رَسَولٌ يوم القيامة في عَرَصَات القيامة.


الصفحة التالية
Icon