فإذا انقطع عن الناس نور النبوة وقعوا في ظلمة الفتن، وحدثت البدع والفجور، ووقع الشر بينهم، كما في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال :( سألت ربي ثلاثًا، فأعطاني اثنتين، ومنعني الثالثة، سألته ألا يهلك أمتى بسنة عامة فأعطانيها، وسألته ألا يسلط عليهم عدوًا من غيرهم فيجتاحهم فأعطانيها، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها ). والبأس مشتق من البؤس، قال اللّه تعالى :﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ﴾ [ الأنعام : ٦٥ ]، وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه لما نزل قوله تعالى :﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ ﴾ قال ( أعوذ بوجهك ).
﴿ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾ قال :( أعوذ بوجهك ). ﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ﴾ قال :( هاتان أهون )، فدل على أنه لابد أن يلبسهم شيعًا، ويذيق بعضهم بأس بعض، مع براءة الرسول في هذه الحال، وهم فيها في جاهلية.
ولهذا قال الزهري : وقعت الفتنة وأصحاب رسول اللّه ﷺ متوافرون، فأجمعوا على أن كل دم أو مال أو فرج/ أصيب بتأويل القرآن فهو هدر، أنزلوهم منزلة الجاهلية. وقد روى مالك بإسناده الثابت عن عائشة ـ رضي اللّه عنها ـ أنها كانت تقول : ترك الناس العمل بهذه الآية ـ تعني قوله تعالى ـ :﴿ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ﴾ [ الحجرات : ٩ ]، فإن المسلمين لما اقتتلوا كان الواجب الإصلاح بينهم كما أمر اللّه ـ تعالى ـ فلما لم يعمل بذلك صارت فتنة وجاهلية.