وإذا عرف ذلك، فمن قال : إنه جسم ـ وأراد أنه مركب من الأجزاء ـ فهذا قوله باطل، وكذلك إن أراد أنه يماثل غيره من المخلوقات، فقد علم بالشرع والعقل أن اللّه ليس كمثله شيء في شيء من صفاته، فمن أثبت للّه مثلًا في شيء من صفاته فهو مبطل، ومن قال : إنه جسم بهذا المعنى، فهو مبطل، ومن قال : إنه ليس بجسم ـ بمعنى أنه لا يرى في الآخرة، ولا يتكلم بالقرآن وغيره من الكلام، ولا يقوم به العلم والقدرة وغيرهما من الصفات، ولا ترفع الأيدي إليه في الدعاء، ولا عرج بالرسول ﷺ إليه، ولا يصعد إليه الكلم الطيب، ولا تعرج الملائكة والروح إليه ـ فهذا قوله باطل. وكذلك كل من نفي ما أثبته اللّه ورسوله، وقال : إن هذا تجسيم فنفيه باطل، وتسمية ذلك تجسيمًا تلبيس منه، فإنه إن أراد أن هذا في اللغة يسمى جسمًا، فقد أبطل، وإن أراد أن هذا يقتضي أن يكون جسمًا مركبًا من الجواهر الفردة أو من المادة والصورة، أو أن هذا يقتضي أن يكون جسمًا، والأجسام متماثلة، قيل له : أكثر العقلاء يخالفونك في تماثل الأجسام المخلوقة، وفي أنها مركبة، فلا يقولون : إن الهواء مثل الماء/ ولا أبدان الحيوان مثل الحديد والجبال، فكيف يوافقونك على أن الرب ـ تعالى ـ يكون مماثلًا لخلقه، إذا أثبتوا له ما أثبت له الكتاب والسنة ؟ ! واللّه ـ تعالى ـ قد نفي المماثلات في بعض المخلوقات، وكلاهما جسم كقوله :﴿ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [ محمد : ٣٨ ]، مع أن كلاهما بشر، فكيف يجوز أن يقال : إذا كان لرب السموات علم وقدرة أنه يكون مماثلًا لخلقه ؟ ! والله ـ تعالى ـ ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.