ومن هذا الباب ما في الكتاب والسنة من تفضيل القرآن على غيره من كلام الله : التوراة والإنجيل وسائر الكتب، وأن السلف كلهم كانوا مقرين بذلك ليس فيهم من يقول : الجميع كلام الله، فلا يفضل القرآن على غيره. قال الله تعالى :﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ ﴾ [ الزمر : ٢٣ ]، فأخبر أنه أحسن الحديث. وقال تعالى :﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عليكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إليكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [ يوسف : ٣ ]. و ﴿ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ﴾ قيل : إنه مصدر، وقيل : إنه مفعول به. قيل المعنى : نحن نقص عليك أحسن الاقتصاص، كما يقال : نكلمك أحسن التكليم ونبين لك أحسن البيان. قال الزجاج : نحن نبين لك أحسن البيان. والقَاصُّ : الذي يأتي بالقصة على حقيقتها. قال : وقوله :﴿ بِمَا أَوْحَيْنَا إليكَ هَذَا الْقُرْآنَ ﴾ أي : بوحينا إليك هذا القرآن، ومن قال هذا قال :﴿ بِمَا أَوْحَيْنَا إليكَ هَذَا الْقُرْآنَ ﴾، وعلى هذا القول فهو كقوله : نقرأ /عليك أحسن القراءة، ونتلو عليك أحسن التلاوة. والثاني : أن المعنى : نقص عليك أحسن ما يقص، أي : أحسن الأخبار المقصوصات، كما قال في السورة الأخري :﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ﴾ [ الزمر : ٢٣ ]، وقال :﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً ﴾ [ النساء : ١٢٢ ]، ويدل على ذلك قوله في قصة موسى :﴿ فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عليه الْقَصَصَ ﴾ [ القصص : ٢٥ ]، وقوله :﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأولى الأَلْباب ﴾ [ يوسف : ١١١ ]، المراد : خبرهم ونبأهم وحديثهم، ليس المراد مجرد المصدر. والقولان متلازمان في المعنى ـ كما سنبينه ـ ولهذا يجوز أن يكون هذا المنصوب قد جمع معنى المصدر ومعنى المفعول به؛ لأن فيه كلا المعنيين، بخلاف المواضع التي يباين فيها الفعل المفعول به،