ثم هؤلاء لهم في استحقاق الرب لصفات الكمال عندهم، هل علم بالإجماع فقط، أو علم بالعقل ـ أيضًا ؟ فيه قولان. فمن قال : إن ذلك لم يعلم بالعقل ـ كأبي المعالي والرازي وغيرهما ـ لم يبق معهم دليل عقلى ينزهون به الرب عن كثير من النقائص، هذا إذا لم ينف إلا ما يجب نفيه عن الله، مثل نفيه للنقائص، فإنه يجب تنزيه الرب عنها، وينفي عنه مماثلة المخلوقات، فإنه كما يجب تنزيه الرب عن كل نقص وعيب يجب تنزيهه عن أن يماثله شيء من المخلوقات في شيء من صفات الكمال الثابتة له، وهذان النوعان يجمعان التنزيه الواجب لله، و ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، دلت على النوعين. فقوله :﴿ أَحَدٌ ﴾، مع قوله :﴿ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ ينفي المماثلة والمشاركة، وقوله :﴿ الصَّمَدُ ﴾، يتضمن جميع صفات الكمال، فالنقائص جنسها منفي عن الله ـ تعالى ـ وكل ما اختص به المخلوق، فهو من النقائص التي يجب تنزيه الرب عنها، بخلاف ما يوصف به الرب، ويوصف العبد بما يليق به، مثل العلم والقدرة والرحمة، ونحو ذلك، فإن هذه ليست نقائص، بل ما ثبت لله من هذه المعاني، فإنه يثبت لله على وجه لا يقاربه فيه أحد من المخلوقات، فضلا عن أن يماثله فيه، بل ما خلقه الله في/ الجنة من المآكل والمشارب والملابس، لا يماثل ما خلقه في الدنيا وإن اتفقا في الاسم، وكلاهما مخلوق. قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء، فقد أخبر الله أن في الجنة لبنًا وخمرًا وعسلًا وماءً وحريرًا وذهبًا وفضةً، وتلك الحقائق ليست مثل هذه، وكلاهما مخلوق. فالخالق - تعالى - أبعد عن مماثلة المخلوقات من المخلوق إلى المخلوق.


الصفحة التالية
Icon