فإنه يقال : ما الموجب لحدوث تلك التصورات دائمًا ؟ ثم إن النفس عندهم لابد أن تكون متصلة بالجسم، فيمتنع وجود نفس بدون جسم.
وأيضًا، فالذي علم بالاضطرار من دين الرسل : أن كل ما سوى الله مخلوق محدث كائن بعد أن لم يكن.
وأيضًا، فما تثبته الفلاسفة من الجواهر العقلية إنما يوجد في الذهن لا في الخارج، وأما أكثر المتكلمين فقالوا : انتفاء هذه معلوم بضرورة العقل. وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع، وبين أن ما تدعى الفلاسفة إثباته من الجواهر العقلية التي هي العقل والنفس والمادة والصورة فلا حقيقة لها في الخارج، وإنما هي أمور معقولة في الذهن يجردها العقل من الأمور المعينة كما يجرد العقل الكليات المشتركة بين الأصناف، كالحيوانية الكلية، والإنسانية الكلية، والكليات إنما تكون كليات في الأذهان لا في الأعيان.
ومن هؤلاء من يظن أنها تكون في الخارج كليات، وأن في الخارج ماهيات كلية مقارنة للأعيان غير الموجودات المعينة، وكذلك منهم من يثبت كليات مجردة عن الأعيان يسمونها :[ المثل الأفلاطونية ]، ومنهم من يثبت دهرًا مجردًا عن المتحرك والحركة، ويثبت خلاءًا مجردًا ليس هو متحيزًا ولا قائمًا بمتحيز، ويثبت هيولى مجردة عن جميع الصور، والهيولى في لغتهم بمعنى المحل. يقال : الفضة هيولى الخاتم، والدرهم والخشب هيولى الكرسي، أى : هذا المحل الذي تصنع فيه هذه الصورة، وهذه الصورة الصناعية عرض من الأعراض، وَيَدَّعُونَ أن للجسم هيولي محل/ الصورة الجسمية غير نفس الجسم القائم بنفسه، وهذا غلط؛ وإنما هذا يقدر في النفس كما يقدر امتداد مجرد عن كل ممتد، وعدد مجرد عن كل معدود، ومقدار مجرد عن كل مقدر، وهذه كلها أمور مقدرة في الأذهان، لا وجود لها في الأعيان. وقد اعترف بذلك من عادته نصر الفلاسفة من أهل النظر. كما قد بسط هذا في غير هذا الموضع.