وهؤلاء يدعون أن العقول قديمة أزلية، وأن العقل الفعال هو/ رب كل ما تحت هذا الفلك، والعقل الأول هو رب السموات والأرض وما بينهما، والملاحدة الذين دخلوا معهم من أتباع بني عبيد ـ كأصحاب رسائل إخوان الصفا وغيرهم ـ وكملاحدة المتصوفة، مثل ابن عربى، وابن سبعين، وغيرهما ـ يحتجون لمثل ذلك بالحديث الموضوع :[ أول ما خلق الله العقل ]. وفي كلام أبي حامد الغزالي في [ الكتب المضنون بها على غير أهلها ] وغير ذلك من معانى هؤلاء قطعة كبيرة، ويعبر عن مذاهبهم بلفظ الملك والملكوت والجبروت، ومراده بذلك الجسم والنفس والعقل، فيأخذ هؤلاء العبارات الإسلامية، ويودعونها معانى هؤلاء، وتلك العبارات مقبولة عند المسلمين، فإذا سمعوها قبلوها، ثم إذا عرفوا المعاني التي قصدها هؤلاء ضل بها من لم يعرف حقيقة دين الإسلام، وأن هذه معانى هؤلاء الملاحدة ليست هي المعاني التي عناها محمد رسول الله ﷺ وإخوانه المرسلون ـ مثل موسى وعيسى ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
ولهذا ضل كثير من المتأخرين بسبب هذا الالتباس، وعدم المعرفة بحقيقة ما جاء به الرسول، وما يقوله هؤلاء حتى يضل بهم خلق من أهل العلم والعبادة والتصوف، ومن ليس له غرض في مخالفة محمد صلى الله عليه وسلم، بل يحب اتباعه مطلقًا، ولو عرف أن هذا مخالف لما جاء به لم يقبله، لكن لعدم كمال علمه بمعانى ما أخبر/به الرسول ومقاصد هؤلاء، يقبل هذا؛ لا سيما إذا كان المتكلم به ممن له نصيب وافر في العلم والكلام والتصوف والزهد والفقه والعبادة.