وأما المتكلمون، فإنهم يقولون : إن كل ممكن أو كل محدث، أو كل مخلوق، فهو إما متحيز، وإما قائم بمتحيز، وكثير منهم يقول : كل موجود إما متحيز، وإما قائم بمتحيز، ويقولون : لا يعقل موجود إلا كذلك، كما قاله طوائف من أهل الكلام والنظر، ثم المتفلسفة ـ كابن سينا وأتباعه، والشهرستانى والرازي وغيرهم ـ لما أرادوا إثبات موجود ليس كذلك، كان أكبر عمدتهم إثبات الكليات كالإنسانية المشتركة، والحيوانية المشتركة، وإذا كانت هذه لا تكون كليات إلا في الذهن، فلم ينازعهم الناس في ذلك، وإنما نازعوهم في إثبات موجود خارج الذهن قائم بنفسه، لا يمكن الإحساس به بحال، بل لا يكون معقولًا.
وقالوا لهم : المعقول ما كان في العقل، وأما ما كان موجودًا قائمًا بنفسه، فلابد أن يمكن الإحساس به، وإن لم نحس نحن به في الدنيا، كما لا نحس بالجن والملائكة وغير ذلك؛ فلابد أن يحس به غيرنا كالملائكة والجن، وأن يحس به بعد الموت، أو في الدار الآخرة، أو /يحس به بعض الناس دون بعض في الدنيا، كالأنبياء الذين رأوا الملائكة وسمعوا كلامهم.
وهذه الطريقة ـ وهو أن كل قائم بنفسه يمكن رؤيته ـ هي التي سلكها أئمة النظار ـ كابن كُلاَّب وغيره ـ وسلكها ابن الزاغوني وغيره. وأما من قال : إن كل موجود يجوز رؤيته أو يجوز أن يحس بسائر الحواس الخمس ـ كما يقوله الأشعري وموافقوه كالقاضي أبي يعلى، وأبي المعالي وغيرهما ـ فهذه الطريقة مردودة عند جماهير العقلاء، بل يقولون : فسادها معلوم بالضرورة بعد التصور التام، كما بسط في موضعه.


الصفحة التالية
Icon