وأما من اعتقد أن المتحيز هو ما باين غيره فانحاز عنه، وليس/من شرطه أن يكون مركبًا من الأجزاء المنفردة، ولا أنه يقبل التفريق والتقسيم، فإذا قال : إن الرب متحيز بهذا المعنى، أي : أنه بائن عن مخلوقاته فقد أراد معنى صحيحًا، لكن إطلاق هذه العبارة بدعة، وفيها تلبيس، فإن هذا الذي أراده ليس معنى المتحيز في اللغة، وهو اصطلاح له ولطائفته، وفي المعنى المصطلح نزاع بين العقلاء، فصار يحتمل معنى فاسدًا يجب تنزيه الرب عنه، وليس للإنسان أن يطلق لفظًا يدل عند غيره على معنى فاسد، ويفهم ذلك الغير ذلك المعنى الفاسد من غير بيان مراده؛ بل هؤلاء المتكلمون الذين أرادوا بالمتحيز ما كان مؤلفًا من أجزاء لا تقبل القسمة، وهو ما كان قابلًا للقسمة إذا قالوا : إن كل ممكن أو كل محدث أو كل مخلوق، فهو إما متحيز، وإما قائم بمتحيز، كان جماهير العقلاء يخالفونهم في هذا التقسيم، ولم يكن أحد من أئمة المسلمين ـ لا من الصحابة ولا من التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ولا سائر أئمة المسلمين ـ موافقًا لهم على هذا التقسيم، فكيف إذا قال من قال منهم : كل موجود فهو إما متحيز، وإما قائم بمتحيز، وأراد بالمتحيز ما أراده هؤلاء ؟ ! فإن قوله حينئذ يكون أبعد عن الشرع والعقل من قول أولئك؛ ولهذا طالبهم متأخروهم بالدليل على هذا الحصر، وليس خطأ هؤلاء من جهة ما أثبته المتفلسفة من الجواهر العقلية، فإن تلك قد علم بطلانها بصريح العقل أيضًا.
وما يقوله هؤلاء المتفلسفة في النفس الناطقة من أنها لا يشار إليها ولا توصف بحركة ولا


الصفحة التالية
Icon