ومسكون، ولا صعود ولا نزول، وليست داخل العالم ولا خارجه، هو ـ أيضًا ـ كلام أبطل من كلام أولئك المتكلمين عند جماهير العقلاء، ولا سيما من يقول منهم ـ كابن سينا وأمثاله ـ : إنها لا تعرف شيئًا من الأمور الجزئية، وإنما تعرف الأمور الكلية؛ فإن هذا مكابرة ظاهرة، فإنها تعرف بدنها، وتعرف كل ما تراه بالبدن وتشمه وتسمعه وتذوقه وتقصده، وتأمر به وتحبه وتكرهه، إلى غير ذلك مما تتصرف فيه بعلمها وعملها، فكيف يقال : إنها لا تعرف الأمور المعينة، وإنما تعرف أمورًا كلية ؟ !
وكذلك قولهم : إن تعلقها بالبدن ليس إلا مجرد تعلق التدبير والتصريف، كتدبير الملك لمملكته من أفسد الكلام، فإن الملك يدبر أمر مملكته فيأمر وينهي، ولكن لا يصرفهم هو بمشيء ته وقدرته إن لم يتحركوا هم بإرادتهم وقدرتهم، والملك لا يلتذ بلذة أحدهم، ولا يتألم بتألمه، وليس كذلك الروح والبدن، بل قد جعل الله بينهما من الاتحاد والائتلاف ما لا يعرف له نظير يقاس به، ولكن دخول الروح فيه ليس هو مماثلًا لدخول شيء من الأجسام المشهودة، فليس دخولها فيه كدخول الماء ونحوه من المائعات في الأوعية، فإن هذه إنما تلاقى السطح الداخل من الأوعية، لا بطونها ولا ظهورها، وإنما يلاقي/الأوعية منها أطرافها دون أوساطها، وليس كذلك الروح والبدن، بل الروح متعلقة بجميع أجزاء البدن باطنه وظاهره، وكذلك دخولها فيها ليس كدخول الطعام والشراب في بدن الآكل، فإن ذلك له مجار معروفة، وهو مستحيل ـ إلى غير ذلك من صفاته ـ ولا جريانها في البدن كجريان الدم، فإن الدم يكون في بعض البدن دون بعض.