ففي الجملة، كل ما يذكر من النظائر لا يكون كل شيء منه متعلقًا بالآخر؛ بخلاف الروح والبدن، لكن هي مع هذا في البدن قد ولجت فيه، وتخرج منه وقت الموت، وتسل منه شيئًا فشيئًا فتخرج من البدن شيئًا فشيئًا لا تفارقه كما يفارق الملك مدينته التي يدبرها، والناس لما لم يشهدوا لها نظيرًا عسر عليهم التعبير عن حقيقتها، وهذا تنبيه لهم على أن رب العالمين لم يعرفوا حقيقته، ولا تصوروا كيفيته ـ سبحانه وتعالى ـ وأن ما يضاف إليه من صفاته هو على ما يليق به ـ جل جلاله ـ فإن الروح التي هي بعض عبيده توصف بأنها تعرج إذا نام الإنسان، وتسجد تحت العرش، وهي مع هذا في بدن صاحبها لم تفارقه بالكلية. والإنسان في نومه يحس بتصرفات روحه تصرفات تؤثر في بدنه، فهذا الصعود الذي توصف به الروح لا يماثل صعود المشهودات، فإنها إذا صعدت إلى مكان فارقت الأول بالكلية، وحركتها/ إلى العلو حركة انتقال من مكان إلى مكان، وحركة الروح بعروجها وسجودها ليس كذلك.
فالرب ـ سبحانه ـ إذا وصفه رَسُولُهُ ﷺ بأنه ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة، وأنه يدنو عشية عرفة إلى الحجاج، وأنه كلم موسى في الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة، وأنه استوى إلى السماء وهي دخان، فقال لها وللأرض : ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا : أتينا طائعين ـ لم يلزم من ذلك أن تكون هذه الأفعال من جنس ما نشاهده من نزول هذه الأعيان المشهودة حتى يقال : ذلك يستلزم تفريغ مكان وشغل آخر، فإن نزول الروح وصعودها لا يستلزم ذلك فكيف برب العالمين ؟ ! وكذلك الملائكة لهم صعود ونزول من هذا الجنس.